المطران سرفينو أوسيك (بين سلاحٍ وسلام)

ما أصعب أن تنام والسلاح في يدك، وبجوارك زوجتك والساطور في يدها، لكن هذا كان الواقع اليومي لنا، وكان هناك حلاً وحيدًا لحالتنا، وقد جلب السلام عائليًا، وجاء بالنجاح لي شخصيًا.

زوجتي مشكلتي:

اسمي سرفينو أوسيك موديستو, خلفيتي عسكرية؛ حيث أني كنت ملازم أول بدبورتين، وعضو في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكنت مسئولاً ومشرفًا على منطقة كاملة، ولكن ما حدث في هذه المنطقة كان يؤلمني بشدة.

في ذلك الوقت كنت أنا وزوجتي لم نختبر معرفة الرب يسوع بعد، وكانت زوجتي تشرب الخمر مع بعض من نساء العساكر، وكانت تمشي وهي تغني في المنطقة، وكنت بالطبع غير راضيًا على هذا الوضع، فقلت لها: “ألست تعلمين بأنني الضابط المسئول علي المنطقة؟ فهل يمكن أن تظهري لي بعض الاحترام”.

غضبت زوجتي من توبيخي لها، وكذلك غضب العساكر الذين كانوا معها، أما أنا فقد تناسيت الموضوع، وذهبت إلى القاعة المخصصة للطعام وللاجتماعات وجلست هناك.

محاولة قتل:

وأنا داخل القاعة، فوجئت بواحد من العساكر، يأتي ومعه سلاح معمر جاهز، وقال لي: “يا زول أنا بتمك (أي سأقتلك)”، ثم رفع السلاح وصوبه نحوي مباشرة، وكنت ينتظر فقط لمسة منه.

كنا وحدنا في القاعة، وباقي الضباط كانوا بالخارج، فلما لاحظوا السلاح في يد العسكري، صرخوا قائلين له: “يا زول ماذا تريد أن تفعل لهذا الضابط؟”، أما أنا فقلت له: اضرب كما شئت، فأنا عسكري مكتوب له الموت، ولكني أريد أن أعرف السبب أولاً”، فرد عليَّ: “لأنك شتمتنا ونحن سكرانين”، فقلت له: “لم أشتمك، لكنني كنت مستاء من زوجتي”.

ثم جاء باقي الضباط، وحاصرونا في القاعة، و قال أحد النقباء للعسكري: “إن قتلت هذا الضابط سنطلق عليك النار أيضا”،  ثم تسحب داخل القاعة، وأخذ منه السلاح، ثم دخل باقي الضباط وأخرجوه خارج القاعة، وقاموا بضربه ضربًا شديدًا، لدرجة جعلتني أشفق عليه، وتم وضعه في الحبس لمدة أسبوع.

الحل الوحيد:

بعد هذه الحادثة، بدأت أفكر في نوع الحياة التي أعيشها، وكيف أن زوجتي كادت أن تكون سببًا في قتلي، وكيف أن المشاكل مستمرة بيننا يوميًا؛ فهي تحمل في يدها الساطور، وأنا أحمل سلاحي!! واستمر هذا الوضع لمدة سنتين، حتى اقتنعنا أنا وزوجتي، أنه لن تنتهي هذه المأساة إلا بموت أحدنا؛ أنا أو هي.

في هذا الوقت، كان هناك قسيس يسكن بالقرب منا، وكان يلاحظ المشاكل الكبيرة بيني وبين زوجتي، ومرة شاهدها وفي يدها السطور، وفي حالة سُكر شديدة، وتريد أن تقتلني”، فقال لي القسيس: “إن كان هذا هو شكل حياتكم، فلابد لكم من حل، وهو لن يأتي إلا إذا قبلت الرب يسوع في حياتك، وتركت أنت وزوجتك شرب الخمر، لأن هذا هو سبب كل مشاكلك، ولن يأتي السلام إلى بيتك، إلا لما تقبل بدخول الرب يسوع المسيح؛ رئيس السلام الحقيقي”.

وهذه حقيقة فأذكر أني مرة شربت الخمر مع ضابط زميل لي طوال ليلة كاملة، وفي الصباح كنت لا أشعر بنفسي، وحُملت إلى داخل الغرفة دون أن أدري، ولولا أنهم وضعوا شربة في فمي، لما بقيت على قيد الحياة لحظة أخرى.

بداية جديدة:

بدأت أفكر في كلام القسيس، وشعرت أن الله يعطيني أكثير من فرصة للرجوع إليه؛ فقد نجوت من موت الخمر، ومن قتل الرصاص، ومن ذبح الساطور، فأحضرت زوجتي إلى القسيس، وقام بتبشيرنا بالإنجيل، وقبلنا الرب يسوع المسيح مخلصًا شخصيًا لنا في عام 1997م، وبدأ القسيس يعملنا أن نقرأ وندرس الكتاب المقدس.

تغيرت حياتي أنا وزوجتي بالكامل، وتبدلت من المشاكل والخمور، إلي السلام والفرح، فأصبحنا لا نتخاصم، وكففت عن ضربها، وهي بدأت تحترمني، ثم قررت في عام 1998م أن أترك الحياة العسكرية، وذهبت أوغندا، وهناك درست اللاهوت، وتخرجت منها في عام 2003م، وتسلمت مسئولية رعاية الكنيسة التي أنا أخدم بها الآن.

سلام كبير:

بعد أن صرت قسًا، اختارتني الكنيسة في عام 2006م، لكي أكون ممثل لشرق الاستوائية لمدة خمس سنوات، ثم عملت نائب للمطران كلها عشرة سنيين، وأصبحت حياتي ذو فائدة للأخرين، وخاصةً لمن كانوا يعرفونني ويعرفون زوجتي، وكانوا يتعجبون ويقولون: “هذا الإنسان ما كان بهذا الشكل، شنو اللي حصل معه”، وكنت أرد عليهم: “إن هذا التغيير ليس من عندي، ولكن بسبب الحياة الجديدة التي نلتها من الرب يسوع المسيح”.

وفي عام 2010 تم اختياري مطران كنيسة أفريقيا الداخلية بجنوب السودان، ولا أستطيع أن أعدد ما فعله الله في حياتي من عجائب ومعجزات، وكيف اعتني بي وبأسرتي في سنين الحرب والسلام، وفهمت أن الله كان يريد أن يُدخل السعادة والسلام إلى بيتي أولاً، ويُنهي المشاكل بيني وبين زوجتي، ثم بعد ذلك يستخدمني لكي أقوم بالتبشير بالسلام بين المجتمعات المختلفة، وأنا الآن أقوم بهذا العمل، مستندًا على قوة ونعمة الله، التي سبقت وعملت فيَّ أولاً.