الأمين يهوذا (كُرسي البركة)

كان الكرسي سبب بركة كبيرة في حياتي، فقد تعامل الرب معي بطريقة خاصة جداً، وعندها لم أجد صعوبة في التخلص من حياة السكر والتدخين، وبدأت معه طريقًا مجيدًا من الخدمة والعطاء!!
تربية صعبة:
أنا طفل يتيم لم أرى والدي بعيني، ولم أقل كلمة “بابا” في حياتي، وكانت أمي هي المعنية بتربيتي، وتم هذا لفترة قصيرة للأسف، لأنه قد توفيت أمي، وأشكر الله أنه رتب خالي ليقوم بمهمة تربيتي، وإدخالي إلى المدرسة.
عند بلوغي سن المراهقة، وجدت نفسي وسط مجموع من شباب الحي، وكان لهم تأثير سلبي على حياتي، فعشت حياة سيئة غير مفيدة بعيدة عن الله، فكنت أتناول الخمر وأتعاطى المخدرات، واستمرت هذه الشرور معي لفترة طويلة، حتى تدهورت علاقتي مع خالي، وأصبحت لا أرغب في الرجوع للمنزل، وأخيراً قررت أن أترك الدراسة.
بعد ذلك قرر خالي أن أغادر مدينة جوبا وأذهب إلي مدينة الخرطوم، وهناك تمكنت من الابتعاد عن مجموعة شباب جوبا السيئة، ولكني كنت لا أزال أعيش بعيدًا عن الرب، وليس لديَّ علاقة حقيقة به، واستمر الحال هكذا لفترة طويلة، حتى تم اغتيال خالي في عام 1992م، بعد أن اتهموه أنه يساند المتمردين، وأثر موته فيَّ بشدة.

نقطة تحول:
في نفس العام، دعاني صديق لحضور إحدى الصلوات التي كانت تقام في البيوت، فذهبت تلبية لرغبة صديقي، وفضولاً لمعرفة ما يحدث هناك، وكانت تلك النوعية من الصلوات تتطلب أن يجلب كل واحد كرسي معه إلى الكنيسة، لذلك أخذت كرسي معي، لكن المشكلة أنه عندما ذهبت للكنيسة، كانت أبوابها قد أُغلقت، وأنا متورط مع الكرسي الذي في يدي، فاضطروا لإدخالي.
. عندما حضرت تلك الصلوات، كان خادم الرب يعظ عن قصة المرأة المنحنية التي شفاها المسيح، وكيف أنه وضع عليه يده لكي تنتصب من جديد، فلمستني هذه الكلمات كثيراً، وشعرت أنني لست فقط بلا أب أو أم، ولكن حياتي أيضًا بلا معنى ولا قيمة ولا طعم، وعندما طلب الخادم ممن يريد أن يقدم نفسه للمسيح، أن يأخذ زمام المبادرة، تقدمت إلي الأمام، وقدمت حياتي للرب يسوع المسيح.

الأب الحقيقي:
ومنذ ذلك الوقت اختبرت تغيير غير عادي في حياتي، ولم أجد أي صعوبة في التخلص من حياة السُكر والتدخين، وفي نفس اليوم تخليت عن كل هذه الأشياء السيئة، وعندما عُدت إلى مكان تجمع أصدقائي، وطلبوا مني أن نمرح سويًا، لكنني قلت لهم: “أنا قد تغيرت، وأصبحت إنسان جديد”.
واختبرت لأول مرة إحساس أن يكون الله هو أبي الذي لم أراه، والذي يهتم بكل ما لديَّ، وشعرت من جديد بقيمتي كإنسان، ووجدت في الرب يسوع المسيح أروع صديق يمكن أن يرشدني.
بعد ذلك عدت إلى المدرسة؛ حيث امتحنت الشهادة الثانوية السودانية، ومن ثم التحقت بالجامعة، ودرست دبلوم الإعلام، ومنها لكلية اللاهوت لإحساسي بدوافع كبيرة لخدمة الرب؛ فذهبت للدراسة اللاهوتية في الأردن، وكنت طيلة هذه الفترة غير متزوج، ثم أكرمني الله بزوجة واحدة، وباركني بثلاث بنات جميلات.

تحديات البلاد:
كانت هناك تحديات كبيرة لخدمة الرب في بلادي؛ فعموم المواطنين وكل شعب جنوب السودان يمرون بأوضاع اقتصادية صعبة جداً، وتكلف المصروفات الدراسية للأطفال في المدارس مبالغ كثيرة، بالإضافة إلى المستلزمات الحياتية الأخرى، وكل هذا كنا نواجهه نحن أيضًا كخدام في الحياة اليومية، وبالرغم من أنني كنت خادم غير متفرغ بصفة كاملة، نظرًا للضعف المادي في الكنيسة، إلا أنني كنت أرى يد الرب تسدد احتياجاتنا وتعمل في حياتنا بطريقة غير عادية.
وعلى الرغم أننا كشعب جنوب السودان، كنا نأمل أنه بعد الانفصال عن الشمال، سنعيش حياة جديدة وكريمة، إلا أننا تفاجئنا بأحداث عام 2013م، وكانت حرب بين الإخوة في نفس الوطن، وكان لها أثار سلبية كثيرة، وأدت إلي تفكك النسيج الاجتماعي في بلادنا؛ حيث كنا نعيش كقبائل متجانسة ومتعايشة في سلام، لكن بعد تلك الأحداث المؤسفة تفشى وباء القبلية، وأصبح الناس يعيشون في تكتلات منغلقة لنفسها.

وقتها كنت متواجد بالبلاد، وكان علينا كخدام الرب، أن نسعى لنصالح بين الناس، وفي نفس الوقت نبشر برسالة المسيح عن السلام، وشاهدنا معاناة كثير من الأسر، وفقدنا العديد من الأحباء، وكانت المنطقة التي نسكن فيها هي التي كان يدور فيها القتال، ولكننا شاهدنا يد الرب وحمايته لشعبه، ولم تتعرض منازلنا للتخريب والنهب برغم من شدة المعركة.
عزيزي … إن آمنت بالرب يسوع، سيهتم شخصيًا بكل تفاصيل حياتك، كما حدث معي أنا واهتم الله بتفاصيل زواجي وتلبية احتياجاتي إلى هذا اليوم، وأنا أعيش بنعمة وبركة الرب لأنه القادر على كل شيء، وأنا متأكد بأن ما فعله الرب في حياتي يمكن أن يفعله معك أيضاً، وحتى لو كنت يتيم، وليس لديك أب يسندك ويعضدك، لكن الله هو أب لكل الناس، وقوته تفوق أي قوة، وهو قادر أن يغير حياتك كما غير حياتي.