ماري ميلسين (أعظم صديق)

فجوة عميقة صارت بداخلي، حاولت أن أسدها بكافة الطرق، وإذا بالله يملأها كلها بمعيته وكلمته ومؤمنيه، وحمانا من أن تكون هذه الفجوة نقطة نهايتي ونهاية عائلتي.
اسمي ماري ميلسين لايلا، من قبيلة “بوجو”، متزوجة من القس اسكندر، وهو من قبيلة “مورو”؛ نشأنا في الخرطوم وتزوجنا، ثم عدنا إلى الجنوب، وقضينا سنين زواجنا في منتهى السعادة ، وكم هو جميل أن يدعمك شريك حياتك من كل النواحي، حتى أن كثير من الناس قالوا علينا أننا نشبه بعضنا البعض، حتى في الأفكار والآراء. حتى جاء عام 2013م، حين ذهبنا إلى مدينة نيروبي بكينيا، وكان زوجي القسيس يعاني من مشكلة في الأذن، واعتقدنا أن الأمر بسيط، لكننا فوجئنا أن المشكلة تطورت جدًا وأصبحت سرطانًا!!
لم نفقد الأمل في الشفاء، وكنا نقول أننا نستطيع الحصول على حل لهذه المشكلة، لذا سعينا إلى طلب المساعدة من الأطباء الذين لديهم حكمة في علاج الناس، ولكن في نهاية المطاف، فقد القسيس حياته في20 أكتوبر 2015م. كان الأمر مهولاً جدًا علىَّ، فما أصعب أن تفقد شخص تحبه، وقد خططتما لأشياء كثيرة ترغبون القيام بها معًا، وبدا لي أن الوضع لن يكون أبدًا كما كان عليه، وأن كثير من المشكل والتحديات تنتظرني، ولكن الاختلاف هذه المرة أنني أواجهها وحدي!!

اتهام جارح:
مرت الأيام بطيئة جدًا، وكل يوم افتقادي لزوجي يتضاعف، وجروحي أيضًا تزيد، لكن كان أصعب أمر مر عليَّ، هو اتهامي بأنني السبب في وفاة زوجي القسيس، رغم معرفة الكثيرين بمرضه قبل أن يموت، إلا أنهم كانوا يلقون اللوم عليَّ أنا، لدرجة جعلتني أتمنى لو كنت مت أنا بدلاً منه!!
وما زاد من ثقل الاتهام، أن البعض شكك في محبتي لزوجي، وأني قتلته بسبب الميراث، وكم عانيت لكي يغير المجتمع هذه الفكرة، وأن يصدقوا أنه لا توجد امرأة تحب زوجها و تتمني له الموت حتى لو كان هناك فائدة في ذلك، وكلما تذكرت الكلام السيئ الذي قيل عني، كنت أطلب من الله أن يساعدني على التغلب على هذه التحديات.

فجوة كبيرة:
مرت ثلاث سنوات علي رحيل زوجي العزيز، وعرفت أن الناس لا يبكون موتاهم في يوم واحد، ولكن وفاة اسكندر فتحت فجوة عميقة داخلي، وكنت أشعر أني طائر بلا أجنحة، وكان لدي عشرات الأسئلة التي لا أجد إجابات وافية لها، نعم لقد توفي إسكندر، ولكن ماذا عن الغد؟! وكيف يمكنني اتخاذ القرارات؟ وكيف سأتعامل مع بناتي الفتيات؟!
كنت أحاول سد هذه الفجوة بأي شيء مهما كان، وكنت أبدو مثل شخص أعمى يحاول أن يتحسس كل شيء، أو كطفل صغير يحاول أن يتعلم المشي و يحاول دعم نفسه بأي شيء.
ولم يكن الموضوع متوقف على المال، فقد يكون لديك الكثير من الموارد، ولكنها لا يمكن أن تعوض فقدان الشريك في حياتك، وقد كانت محطة صعبة جدًا في حياتي، لكن شيئًا فشيئًا تمكنت من قبول الوضع الذي أنا فيه الآن، وحتى اليوم وأنا أتحدث عن إسكندر، فإن الجرح ينفتح مرة أخرى ويبدأ النزيف من جديد.

تجاوز المحنة:
كان وقتًا صعبًا جدًا، ولكن أشكر الله أنه رتب بعض الأصدقاء في الكنيسة الذين وقفوا إلى جانبي، ومنحتني كلمات تشجيعهم الكثير من القوة،
ولكن اعتمادي على الله كان هو الحل، فمعرفة الله هي التي جعلتني أكون قادرة على التغلب على كل شيء أراه صعبًا، وتمكنت من رؤيته وهو جانبي، وأدركت أنه صالح في كل الأحوال، وكان الله يمدني بكثير من الوعود والآيات من الكتاب المقدس، التي تساعدني على التغلب على الوضع الصعب الذي أواجهه.
وكنت أشارك الله صديقي بكل التفاصيل الصغيرة، فمرة صليت له: “هنا ابنتي تريد الذهاب إلى الجامعة، والأطفال يريدون الذهاب إلى المدرسة”، وكنت أرى الله يفتح الأبواب.
ورغم أن الناس في جنوب السودان، بقيوا على عادتهم في رمي اللوم في موت شخص ما على الناس، لكني مرة طلبت من الله قائلة: “يا رب ساعدني أن أغفر لمن أساءوا إلىَّ، واتهموني بقتل زوجي، وهم لا يعرفون قسوة شيء اسمه الموت”.

أعزائي … دعونا نتمسك بالله، ولا ننسى أنه موجود ويعطينا القوة الكافية لمواصلة الحياة، صحيح إنني لا أرغب في رؤية الشباب يفقدون شركاء حياتهم، لكن إن حدث هذا معك، فاقترب من الله، لأن المعونة تأتي من عنده وحده، وبذلك ستتمكن من التعامل مع الوضع الذي أمامك، فمن الصعب أن تقف بمفردك أمام المشاكل التي تواجهك، لكنك تحتاج لصديق يقف بجانبك، يقدم النصائح، ويزيل العوائق، ولن تجد أروع ولا أقوى ولا أحكم من أن يكون الله صديقك.