كنت أتمنى ألا يحصل هذا الأمر الرهيب؛ فما أصعب أن ترى أعز ما عندك يتألم وينزف، وأنت عاجز عن فعل أي شيء له، لكن بالصلاة والغفران، بدأ الله قصة شفائي أنا قبل شفاء ابني!!
كسرة قلب:
في أخر يوم من أيام عام 2015م، وأثناء الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد، خرج أطفالي من المنزل بمنطقة “قوديلي”، وذهبوا إلى منزل خالهم بمنطقة “نياكورون” السكنية، ثم ذهبوا إلى الكنيسة، وفي طريق العودة كانت هناك مشكلة كبيرة في انتظارهم بسبب تجمع مجموعة من الشباب على الطريق، فجرى ابني إلى الأمام ليتفادى هذه المشكلة، لكن أحد أولاد الجيران ركض خلف أبني، واعترض طريقه، وضربه بسيخ من الحديد في عينه!!
وأنا في منزلي، وبعيدًا جدًا عن ابني، تلقيت مكالمة هاتقية تفيد بتعرض أبني لحادث طعن في العين بسيخ من الحديد والدماء تنزف منه بغزارة، فعندما سمعت هذا الكلام الصادم انكسر قلبي داخلي، وقلت لهم: لا تعطوه ماء ليشرب، لأنه إن أعطيتموه ماء سيتدهور الوضع أكثر، ثم أخبروني بأنه لا توجد عربة لنقل الولد، لكنهم يحاولون نقله للمستشفي، وانكسر قلبي مرة أخرى، عندما عجزت عن الذهاب إليه ليلاً، بعد أن منعني ابني الأكبر، قائلاً لي: إن الوضع غير آمن بالمرة!!
انهيار كامل:
في الصباح جريت مسرعة نحو المستشفى، وعند وصولي كانت هنالك ممرضة أمامي، وعندما رأتني تنهدت وقالت لي: “أهذه أنت يا روز؟ هل هذا ابنك؟” فرديت على أسئلتها بسؤال: “هل مات أبني؟”، فقالت: “لا”، وهنا لمحت بنتي، والتي كانت برفقة أخيها، وهي تقف بالقرب من إحدى الغرف وهي تبكي بمرارة.
عندما دخلت الغرفة ورأيت شكل ابني، وجدت عينه متورمة، وكثير من الدم علي القميص الذي كان يلبسه، كنت قد أخذت معي بعض ملابس للغيار، فخلعت عنه القميص الملطخ بالدم، ورميته في سلة المهملات، كل هذا وأنا وابنتي وابني الأكبر في حالة بكاء مستمرة بلا توقف.
استحالة الوضع:
بعد دقائق، دخلت علينا الممرضة، وقالت أنه يجب على ابني أن يقوم ابني بعملية جراحية، لكنهم قالوا لنا إن الطبيب المتخصص غير موجود في المستشفى الآن، بسبب أجازة الأعياد، فعدنا إلى المنزل في المساء، وعين ابني لا تزال متورمة، ونزيف الدم لم يتوقف.
و كان معنا شخص يعرف طبيب متخصص في العيون، فاتصلنا تلفونيا به، فقال له أنه سيوصل زوجته وسيسبقنا إلى المستشفى، فرجعنا إلى هناك، ولما حضر الطبيب قام بفحص عين ابني، ثم قرر إدخاله غرفة العمليات فورًا، وقال لنا أنه سيفحص العين المصابة؛ إن كانت سليمة سيتركها، ولكن إن تلفت سيضطر لقلعها!! فزاد انكسار قلبي وبكاء عيني على فلذة كبدي.
بعد انتهاء العملية جاءني الطبيب، وأخذني بعيدًا، ثم قال لي أصعب كلمات سمعتها في حياتي: للأسف عين ابنك تعرضت للتلف، والجسم كله قد يتعرض للتسمم، لكن ضعي ثقتك في الله، وسوف نراقب الوضع في الصباح”، ورفض الطبيب أن يأخذ تكاليف العملية، وقال لي: “إن ابنك بمثابة أخي”، لكنه الطبيب قال لعائلتي بعيدًا عني: “هذه الحالة سيئة جدًا، وقد يموت الولد خلال أربعة أيام”.
تدخل الصلاة:
بعد ثلاثة أيام، تدهورت حالة ابني الصحية، وصرت أبكي بهستيرية، فاتصلت بالقسيس المجاور لي، وقلت له: لقد انكسر قلبي بشدة، ابني في مرحلة الموت أيها القسيس”، وصرت أبكي بشدة، فقام القسيس بالصلاة لأجلي، ثم جاء مجموعة من المؤمنين صلوا من أجل ابني، وكان كثيرون يأتون ليروا تلك الحادثة الفريدة الي لم تحدث من قبل في جوبا.
وبعد يومين من الصلاة، رأيت تحسن في حالة ابني؛ فنام في تلك الليلة بشكل جيد، وصار يأكل ويشرب بصورة أفضل، وإن كنت أنا التي لم تأكل، فقد كنا في المستشفي لمدة سبعة أيام بلا أكل ولا شرب، حتى تغير شكلي تمامًا، وصرت ضعيفة جسمانيًا، وكان عدد المؤمنين الزائرين لنا في المستشفى يتزايد.
أصعب غفران:
بعد خروجنا من المستشفى، جاء الولد الذي قام بضرب ابني في البيت، واعترف بأنه لم يقصد أن يؤذي عين ابني، ولكن قال أخي بأنه يجب أن يتم فتح بلاغ جنائي، لأنه لم يقم والد الجاني بزيارة ابني في المستشفي.
ولما صرنا أمام القاضي، قلبي كان يؤلمني بشدة، وكنت لا أريد أن أري الولد الذي طعن عين ابني، لكنني قررت أن أسامح وأغفر لهذا الشخص من كل قلبي، فقلت له: “كإنسانة مؤمنة تعرف الله، فإني عفوت عنك تماما”، ووقفت بجوار هذا الشاب في المحكمة دون الشعور بأي مرارة، وبعد أن تم ذلك الغفران، صار عندي سلام قلبي رهيب، وبدأت حالتي النفسية والجسدية تتحسن.
أعزائي … ما أريد أن أشجعكم به، أنه إذا حدث لأحدكم شيء رديء، فلا تردوا الشر بالشر، بل اغفروا لمن أخطأ في حقكم، ووقتها ستتمتعون بسلام الله، وإني على ثقة أن خطوة شفائي كانت هي أول خطوات عملية شفاء ابني.